باحثون يدعون إلى إحياء قصص ما قبل النوم الموجهة للصغار
السندريلا والشاطر حسن ينافسان ألعاب الفيديو وأفلام الرعب في موريتانيا
أم تداعب طفلها
نواكشوط: خديجة الطيب
طالب باحثون بجامعة نواكشوط بإعادة إحياء تقليد قصص ما قبل النوم للصغار مؤكدين أن ذلك ينمي لدى الطفل الذكاء وملكة الخيال، ففي الماضي كانت الجدات والأمهات يروين لأطفالهن قصص ما قبل النوم بكل تفنن واقتدار قبل أن تغزو نظم الحداثة الحياة بكل مناحيها، قصص ما قبل النوم هي كذلك تقليد شائع في الغرب، مع فارق يتجلى في استعانة الغربيين بالكتب والموسوعات التي تحوي القصص والروايات، فيما ظلت الجدات والأمهات العربيات يسردن الحكايات من موروثهن الشعبي وخيالهن الخصب قبل أن تغزو نظم الحداثة الحياة بكل مناحيها.
وبعد أن كان الحكي مجرد وسيلة عابرة لتمضية الوقت واستدراج النوم إلى العيون البريئة الأرقة انتقل ليلعب دورا أساسيا في تكوين شخصية الطفل وإثراء معارفه وتنمية قدراته، فمن منا لا يتذكر قصص ما قبل النوم التي كانت الأم أو الجدة غالبا تقصها وتتفنن في تجديدها وإطالتها وسرد تفاصيلها بكل تفنن وتشويق، فيبحر الطفل بعد سماعها في نوم عميق في عالم آخر يعيشه.
فمن خلال قصص كالشاطر حسن وعلي بابا والسندريلا إضافة إلى قصص أخرى شعبية وخرافية ترتبط بالنسيج التاريخي والاجتماعي والثقافي الخاص لكل شعب أو منطقة، نشأ أطفال الأمس وتعلموا كيف يواجهون الصعاب، ويعملون على نشر الخير والسعادة والحب.
ومع التقدم التكنولوجي وهيمنة عصر السرعة على كل مناحي الحياة قلما وجد الآباء والأمهات الوقت والصبر لسرد القصص والروايات للصغار في ظل انتشار لعب الكمبيوتر والشات والتلفزيون والفيديو، فباتت أفلام الرعب وقصص الخيال العلمي وألعاب الكاراتيه والفنون الحربية آخر ما يراه الطفل قبل أن يغط في النوم.
هذا ما خلص إليه باحثون في جامعة نواكشوط حيث أكدوا على ضرورة إحياء فن الحكي الموجه للطفل كما كانت تضطلع به الجدات والأمهات، وقال محمد محمود ولد أعل (باحث اجتماعي يعد رسالة دكتوراه موضوعها التربية اللغوية للطفل): "سرد القصص والحكايات يكتسي أهمية كبيرة في التنشئة السوية للطفل وتنمية عدد من مهاراته وقدراته وخبراته، وأيضا في تحقيق توازنه النفسي وخلق الإحساس بالأمن والأمان"، مضيفا أن هذا "الإحساس أصبح ضروريا في زمن يشوبه التوتر والقلق وتتخلله الحروب والأزمات وهو ما يمكن أن يتسرب إلى دواخل الطفل، ويؤثر سلبا على شخصيته ونفسيته وتكوينه".
وأضاف "جلسات الحكي تنمي لدى الطفل قابليات التواصل كالقدرة على الحديث والإنصات وإدراك المعاني واستيعاب الحكم والمواعظ، وبذلك ينتقل دور الحكي من مجرد وسيلة عابرة لتجزية الوقت واستدراج النوم إلى العيون البريئة الأرقة إلى المساعدة في تكوين شخصية الطفل بشكل سليم وتنمية قدراته التخيلية والإبداعية".
وأشار ولد أعل إلى أن قصص الكتب المحكاة للصغار تنمي فيهم الرغبة والاستعداد لتعلم القراءة والكتابة وتثري جانبا مهما من رصيدهم المعرفي والتخيلي، "فضلا عن أن فوائد القراءة للطفل لا تنحصر فقط في تنمية حب الاطلاع وزيادة حصيلته اللغوية وتنشيط خياله وقدراته العقلية، ولكنها أيضا تقوي الرابطة بيننا وبين الطفل وتبني جسورا جديدة من الاتصال بين عالمنا وعالمه من خلال روح المودة والتعاطف والألفة التي عادة ما تطبع جلسات الحكي".
وأكد الباحث الموريتاني أن المرأة ما تزال تتربع على عرش أفضل راوية للقصة ومبدعة لشتى تلاوينها باقتدار له عذوبته ونكهته، وقال إن "حاجيات الجيل الجديد تختلف عن حاجيات سلفه بشكل يجعل القصص العتيقة والذائعة الصيت لا تلائم طفل القرن الواحد والعشرين أو ربما قد يمل من سماعها وتكرار الحديث عنها.
وأشار إلى أهمية الاستعانة ببعض القواعد التي يمكن الاسترشاد بها لممارسة هذا الفن، أهمها ضرورة مراعاة كل مرحلة عمرية وخصها بنوعية من الحكايات تتلاءم مع احتياجاتها وقدراتها، فالأطفال في سن الرابعة إلى السادسة يفضلون القصص القصيرة غير المعقدة ذات حدث واحد وشخصيات قليلة العدد وحوارات بسيطة، فيما تحتاج الفئات العمرية من السادسة إلى العاشرة إلى الحكايات الخرافية وقصص المغامرات والقصص المنقولة عن الثقافات الأجنبية أما من هم أكبر سنا فنزوعهم يكون واضحا باتجاه القصص الواقعية وقصص الأبطال".
واعتبارا لما لهذا الفن من دور فريد يشير الباحثون في جامعة نواكشوط إلى أن الحفاظ عليه لم يعد يقتصر على الجدات أو من هن في سنهن بل إن مسؤولية الحفاظ على هذا الفن تعني كل التجمعات التي تخص الطفل بدءا من الحضانة والمدرسة، مرورا بالمكتبات وانتهاء بالرحلات الجماعية والأمسيات العائلية. كما نبه الباحثون ساردي القصص إلى أن الحكي لا يجب أن يظل قاصرا على سرد الحكايات الشعبية أو الخرافية بل يجب أن يتعداه إلى ابتداع قصص تلائم العصر والتطور وتحافظ على القيم والأصالة وتحوي الكثير من الحكم والمواعظ.
أما عن أساليب رواية الحكايات فقد أرجعها الباحثون إلى "إمكانات الراوي وقدرات الطفل، وقد تتنوع وتتدرج من الرواية الشفاهية التقليدية إلى اعتماد الغناء تقنية مساعدة إلى الاجتهاد في تقمص الشخصية الرئيسية فاستخدام المجسمات والصور والعرائس".